اجتمع جماعة من القواد والجند والأمراء على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز الخلافة، فأجابهم ابن المعتز على ألا يسفك بسببه دم، وكان المقتدر قد خرج يلعب بالصولجان، فقصد إليه الحسين بن حمدان يريد أن يفتك به، فلما سمع المقتدر الصيحة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون الجيش، واجتمع الأمراء والأعيان والقضاة في دار المخرمي فبايعوا عبد الله بن المعتز، وخوطب بالخلافة، ولقب بالمرتضي بالله، واستوزر أبا عبيد الله محمد بن داود وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحول من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر لينتقل إليها، فأجابه بالسمع والطاعة، فركب الحسين بن حمدان من الغد إلى دار الخلافة ليتسلمها فقاتله الخدم ومن فيها، ولم يسلموها إليه، وهزموه فلم يقدر على تخليص أهله وماله إلا بالجهد، ثم ارتحل من فوره إلى الموصل وتفرق نظام ابن المعتز وجماعته، فأراد ابن المعتز أن يتحول إلى سامرا لينزلها، فلم يتبعه أحد من الأمراء، فدخل دار ابن الجصاص فاستجار به فأجاره، ووقع النهب في البلد واختبط الناس، وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم وقتل أكثرهم، وأعاد ابن الفرات إلى الوزارة، فجدد البيعة إلى المقتدر، وأرسل إلى دار ابن الجصاص فتسلمها، وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جدا، نحو ستة عشر ألف ألف درهم، ثم أطلقه واعتقل ابن المعتز، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته وأخرجت جثته، فسلمت إلى أهله فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس، قال ابن الجوزي: "ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد إلا الأمين والمقتدر".


لما كان من أمر انتهاء دولة الأغالبة واستحواذ أبي عبدالله الشيعي على البلاد، واستقرت له القيروان ورقادة، سار إلى سجلماسة، وكان المهدي وابنه أبو القاسم محبوسين عند اليسع بن المدرار أمير سجلماسة، فلاطفه أبو عبدالله ليخلص المهدي منه دون أذى، وكان المهدي قد حاول الحضور إلى المغرب بعد أن راسله أبو عبدالله بما فتح من البلاد وغلب، وأن الأمر قد استتب له فليحضر، ولكنه قبض عليه في الطريق وأسر حتى صار أمره عند اليسع بن مدرار أمير الخوارج الصفرية، لكن اليسع لم يتلطف له بل حاربه، ثم لما أحس بقوة أبي عبدالله الشيعي هرب من الحصن فدخله أبو عبدالله وأخرج المهدي منه واستخرج ولده، فأركبهما، ومشى هو ورؤساء القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للناس: هذا مولاكم، (وهو يبكي) من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط قد ضرب له فنزل فيه، وأمر بطلب اليسع (فطلب)، فأدرك، فأخذ وضرب بالسياط ثم قتل.


كان آخر من تولى من أمراء الأغالبة زيادة الله الثالث الذي قتل أباه وتولى بعده عام 290، لكنه كان منصرفا إلى اللهو والمجون، فقوي أمر أبي عبدالله الشيعي الحسين بن أحمد بن زكريا الصنعاني الذي رحل إلى المغرب بعد أن مهد له الطريق والدعوة فيها رجلان قبله، وكان بينه وبين بني الأغلب حروب، وكان الأحول بن إبراهيم الثاني الأغلبي- عم زيادة الله- لأبي عبدالله الشيعي بالمرصاد, ولكن زيادة الله قتل عمه الأحول، فقوي أمر أبي عبدالله الشيعي أكثر، وجهر بالدعوة إلى المهدي، فلما أحس زيادة الله بالضعف آثر الهروب، فجمع الأموال وهرب إلى مصر، ثم حاول دخول بغداد فلم يؤذن له، فرجع إلى مصر ووعدوه بأن يجمعوا له الرجال والمال ليعود فيأخذ بثأره، فلما طال انتظاره رحل إلى بيت المقدس وسكن الرملة وتوفي فيها، فكانت مدة دولة الأغالبة مائة واثنتي عشرة سنة.


بعد أن دخل أبو عبدالله الشيعي رقادة واستولى عليها وقضى على الأغالبة، اتجه إلى سجلماسة قاعدة الخوارج الصفرية، لكنه مر بطريقه على تاهرت، وكانت الدولة الصفرية في مرحلة ضعف وتنازع على السلطة، فقتل يقظان بن أبي اليقظان وبنيه، وسار إلى العاصمة الرستمية وقتل فيها، وهرب من هرب، واستباح المدينة وحرقها، فقضى على الدولة الرستمية الصفرية الخارجية، لكن المذهب الإباضي الذي هو أصل هذه الدولة لم ينته؛ لأن من استطاع الهرب تحصن في ورغلة واحة في الصحراء التي بقيت مدة لا يستطيع العبيديون دخولها والقضاء عليها.


هو الإمام الحافظ العلامة: أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الإسكافي الأثرم الطائي، وقيل: الكلبي.

أحد الأعلام، ومصنف (السنن)، تلميذ الإمام أحمد.

ولد في دولة الرشيد.

روى عنه كثيرا من المسائل، سمع من عفان، وأبي الوليد، والقعنبي، وأبي نعيم، وابن أبي شيبة, وخلق كثير، وحدث عنه: النسائي في (سننه)، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني، وغيرهم.

وكان حافظا صادقا قوي الذاكرة، كان ابن معين يقول عنه: "كان أحد أبويه جنيا"؛ لسرعة فهمه وحفظه، وكان عالما بكتب ابن أبي شيبة، وله كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ، وكان من بحور العلم، وله مسند مصنف كذلك.